أفكر الآن بحضور ليون تولستواي

محمود ياسين
الاثنين ، ٠٥ يوليو ٢٠٢١ الساعة ١١:٢٨ مساءً
مشاركة |

الهرقل وقد كتب الحرب والسلام، وريث الأقنان وقد انتهى لتوزيع أراضيه على الفلاحين، من هيئته تشعر انك بحضرة خالك العتي، وعمك الهائل وقاطع طريق المفرق في بلادكم، والنبي الذي يتحدث الروسية وينتعل حذاء مهولا ،لا يكف يحتدم وقلبه يسع العالم ويضيق بافراد عائلته الذين جرعوه الألم، احبه بمزيج من الإمتنان فقد خلصني من خجلي الليبرالي المتكلف وانا أروي تبادل الهزء بين رجل وماضيه، متفرغا فيما بعد للنكران الشخصي ونفي علاقتي بالكاتب الذي غادر صنعاء وعاد إلى قريته بحثا عن نساء ماضيه وخاض حرب استرداد لأراضي الأسلاف. 

لم يكونوا حاضرين في ندوة عن الفن الطليعي ، وكان ليون نبيهم ونبينا المخيف ونحن نعتنق رسالته سرا ، رسالة انك ابن بيئتك ، حصيلة الوصايا القروية وهمسات الفن في ثنائية تبدو بالنسبة لنا نحن المبتدئين في عوالم السرد والفن والحضور الاجتماعي، تبدو إفصاحا عن فصام في الشخصية. 

خاض بوشكين شاعر روسيا العظيم نزالا مميتا لحظة دفاع عن شرفه كزوج وقد اكتشف أن عابثا في قصر الإمبراطور يحاول غواية زوجته ، وقتل بوشكين ، وقتل تلميذه ليرمانتوف بذات الطريقة وقد أنجز " بطل لهذا الزمان " حكاية رجل قطع ظهر خيله في السهب الروسي وهو يركض صوب مجد وفروسية الأسلاف محاربي الدون.   الرواية لا تنتزع القروي داخلك ولا المعتل ولا الفوضوي الطيب ولا رجل القبو الحاقد ، إنها سردية ديستويفسكي وهو ينتظر القهوة التي أعدتها زوجته المحبة الخليط من بنات قبائل الدون ومثقفات موسكو ، قهوة بمذاق مناقض لاوجاع ذات الرئة ويكتب الجملة الأولى من الأخوة كارامازوف. 

يحضرني البردوني وهو يئن وحيدا في مستشفى بموسكو ويعابث الممرضات فاتنات سنفروبل والبحر الأسود حقبة الاتحاد السوفيتي الهائل ، قروي لا يرى الألوان وفتحة الصدر وسفوح النهود لكنها يتشممها بغريزة حدئي تفاقمت في أعماقه ضراوة الحدا والوحدة ، وعندما علمت الممرضات أن هذا المتحرش العجوز هو نسخة بوشكين في صحراء العرب بدأت حمى التنافس على من تمنحه الدواء ومن تكون سخية أكثر وتخلد تضاريس وجودها البهيج بلمسة من أصابع بوشكين الصحراء. 

أعدي لي الشاي يا قرويتي وسأتعرف لي ،لأناي اليمنية وأكتب الجملة الأخيرة من رواية " على حافة الكأس ".

سأخبرك أنت وحدك أنني لم اقل كل ما اقترفته في تبادل الهزء ، لا تسمحي للغيرة بدفعي بعيدا عن التاريخ الجسدي لبلاد احتشدت فجأة في تضاريسي الشخصية ، وفي " ليلة نيويورك " سأبتسم وأنت تقطعين أنني وإن لم أكن أنا في نيويورك فلقد أفصحت عن كل ما انوي اقترافه هناك.

يحضرني الآن آخر المطاف امل دنقل وهو يسعل دما في الغرفة " 8،، ويتخاطر قبل الرحيل وملامح زوجته عبلة الرويني ،  تتنفس قريبا من أذنه وتعيد وضع مخدته ليموت وفي فمه سجارة مشتعلة وجمرة حياة لا تنطفئ.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!