عاداتنا قبل الردة الحضارية

حسين الوادعي
الاثنين ، ٠٩ مايو ٢٠٢٢ الساعة ١١:٠٦ مساءً
مشاركة |

لم يعرف الريف اليمني ظاهرة الفصل بين الرجال و النساء ولا ظاهرة الحجاب قبل المد الإخواني الوهابي قبل أربعين عاما.

و يتذكر جيلي والأجيال السابقه كيف كان الرجال و النساء، حتى من ضمن الأسر والعائلات المختلفه، يختلطون سويا ويتحدثون سويه ويجمعهم الحقل والمناسبات الاجتماعيه والأعراس دون أي حساسيات أو وساوس حول صوابية العلاقه بين الجنسين.

بل كان الرجال و النساء في بعض الأرياف يجتمعون في جلسات القات ويتبادلون الأحاديث النكات ويرقصون سويا الرقصات الشعبيه المختلطة.

لم نسمع أبدا في ذلك الزمن البسيط ان المصافحه بين الجنسين حرام، او تثير الشهوات.  فكان الرجال والنساء يتصافحون بغض النظر عن اعمارهم. وكانت المصافحة في الارياف تتضمن تقبيل اليدين، فتقبل المرأة يد الرجل الذي يصافحها ويقبل الرجل يد المرأة التي تصافحه.

ورغم تفضيل الرجال على النساء في الارياف واعطاء الرجل سلطة قوية على المرأة الآن ان المرأة الريفية لم تكن سجينة البيت كما هو الوضع في المدن والأرياف اليوم.

 ولم تكن نغمه الشك في المرأة واخلاقها والتحذير من "سوء طويتها" معروفة. 

كانت المجتمعات الريفية تعطي المرأة الريفية ثقه عاليه جدا خاصة وهي تقضي وقتا طويلا خارج المنزل.

فهي تقضي ساعات طويلة في الحقل تحرث وتزرع وتحصد. وهي تقضي ساعات في البحث عن الحطب وجلب المياه و رعايه الماشية.

لم تكن المرأة الريفية اليمنية حبيسة البيت كما نتوهم اليوم. بل كانت منغمسة في المجتمع ورفيقة الرجل أينما ذهب وصديقة الطبيعه شجرا وحجرا ووديانا وحقولا.

 المرأة الريفية لم تكن محجبه بالمعنى السلفي الإخواني الحوثي للحجاب المنتشر اليوم. ولم يكن الرجل الريفي ينظر لجسدها انه عوره بل كانت الريفية تتأنق لابراز جمال وجهها وجسمها.

  كان لبس المرأة اليمنيه هو ذلك الفستان الفلكلوري الملون المنقوش الذي يكشف عن عنقها او أعلى صدرها، وكانت فساتينها ضيقة عند الخصر والصدر للاحتفاء بخصوبة المرأة ومعالم انوثتها. 

 أما الشعر فكان اظهاره او اخفاؤه يختلف من ريف الى آخر. فهناك ارياف لم تكن تغطي المراه شعرها كاملا اذا كانت تكشف النصف الأعلى منه. وفي ارياف اخرى كانت المرأة تغطي شعرها لكن دون ان تهتم كثيرا باحكام غطاء الشعر فكان طبيعيا اين ينزاح قليلا ليكشف ما يكشف.

و لم يكن إبراز المرأة لجمالها يستفز رجال الريف  ومشايخه وحكماءه ولم يقل احدهم ان في ذلك اعتداء على الطبيعة او على الفضيلة او على الدين.

أما النقاب فلم يعرفه الريف اليمني أبدا وكان محصورا في بعض المدن التي عرفت الاحتلال العثماني الذي جلب معه نظام الحريم و النقاب.

اسمع اليوم اعتراضات البعض علي اختلاط المرأة بالرجال،أو خروجها للعمل، او كشف الوجه والتخلي عن النقاب، بحجه ان هذه الممارسات غريبه على عاداتنا وتقاليدنا.

 لكن الحقيقه هي عكس ذلك تماما.

 اذا اردنا الحديث عن العادات و التقاليد فان المجتمع اليمني كان مجتمعا مختلطا لا يفصل بين الرجال والنساء ويجمع بينهما في مختلف مناشط الحياه.

وعندما نطالب بالاختلاط كأسلوب تربوي فنحن نطالب ولدينا ميراث غني ومشرق حول صحة وسلامة المجتمع المختلط.

 لم تعرف المرأة الريفيه الحجاب والنقاب بالشكل المبالغ فيه اليوم بل كانت المرأة اليمنية سافرة ومتبرجة ومتأنقة.

ولم تكن المرأة اليمنية "ربة بيت" فقط بل كانت عاملة منتجة داخل البيت وخارجه. لهذا عندما نطالب اليوم بالتخلي عن آفة النقاب وعن الثقافة الطالبانية السنية والشيعية فنحن لا نخرج عن تقاليد مجتمعنا بل نطورها.

وعندما نطالب بحق المرأه في ارتداء ما تشاء حتى لو كان هذا اللبس يبرز جمالها وانوثتها فاننا لا نطلب شيئا مستوردا أو مخالفا لثقافتنا بل هو عودة الى الأصل او الى "ضبط المصنع" الذي كان موجودا قبل غزو البترواسلام وغزو الحوثية الطائفية لمجتمعنا البسيط المتوازن الذي كان يعيش حياة لا يسيطر عليها الكبت الجنسي ولا الهوس بالخطيئة ولا الدعوات المحمومة لتقييد المرأة وعزلها.

لكننا لا نطالب فقط بالعوده الى الأصل. فالماضي للعظة والعبرة لا لاعادة النسج على منواله.  نحن نطالب بتطوير هذا الاصل وتجاوزه وتحرير المرأة المجتمع من مخاوف الاندماج الكامل والشامل في العصر وتبني قيم المدنية والحرية.

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!