هذا هو عالمك

محمود ياسين
السبت ، ٢١ مايو ٢٠٢٢ الساعة ٠٢:٠٧ صباحاً
مشاركة |

كل الناس يشتكوا من الحياة ، وأنها ليست على مقاسهم ،

كل الناس مظلومين بطريقة ما ، حتى جوني ديب .

قرصان الكاريبي الذي اعتقدناه يتلقى الصفعات النسائية في مشاهد الفيلم فقط ،كان ذلك يجعله قريبا من القلب وعلى درجة من العذوبة وخفة الظل ،واتضح لاحقا أثناء المحاكمة أن القراصنة قد انقرضوا وانه مامن حياة مثالية وأن الأثرياء المشهورين محتكري الجاذبية والأدوار الملهمة تعساء بطريقة ما ويتعرضون في قصورهم للركلات .

عالم متطلب بمرور الوقت ،وهناك خدعة ما وتصور عن وجود حياة مثالية في مكان من هذا العالم ،او في الثراء وربما الشهرة ويتضح أنها ظلالات ،لا لكون جوني ديب قد ظهر تعيسا ومضطهدا ولكن لأنها هكذا ليست بمقاس أحد يريدها مثالية ومكتملة ،تظن الهجرة والحياة في الغرب مثلا ستجعلك تنسجم وتكتفي وأنها هناك جنتك الموعودة ،بينما وصل صديقي إلى بلجيكا ليعمل في غسل الصحون في حانة تعج بالسكارى وسائقي الدراجات النارية الذين يسافرون جماعات وينطوون على الكثير من العدائية والبذاءة .

يمكنك فهم دوافع الهاربين من الحروب وعمليات التطهير العرقي والمجاعات ، لكن لا تعتقد ان حياتك هناك في مكان آخر ،هي هنا حيث انت مضطجعا لظلفة دولاب مكسور مثلا ،وأمامك طفلتك النائمة تحلم بلعبة ستمنحها عند عودتك من الشارع ،هي بينك وبين اعقاب سجائرك ،حياتك في متاعبك وارتجالاتك اليومية للفكاك من تلك المتاعب .

البارحة اتصل صديقي من كندا ،كان مترددا في البداية من الإفصاح عن خيبة الأمل ومايبدو وكأنه ورطة اكتشفها بعد ان حظي بها معتقدا انها الفردوس ،تلك الصدمة وأنت تكتشف ان " هاليفاكس" ليست مدينة زجاجية مكتظة بالفرص والنقود وهبات سخية للاجئ او فرصة للمهاجر ،لا نساء حتى ولقد أكد لي ان الأمر اكثر صعوبة من بلدان الشرق الأوسط المحافظ ، صقيع أغلب السنة وفي جلسة جماعية تبادل المهاجرون في لحظة شجاعة الافصاح عن خيبة الأمل مضافا إليها المكابرة أمام الأقارب المعولين على بعض من مزايا وغنائم الغرب الباذخ . 

في دير بورن ستعمل بائعا في بقالة مفتوحة على احتمالات سطو ونزق مسلح قد يرديك لأجل علبة مارلبورو ،وفي سياتل قد تحظى بالصقيع الكافي والغرابة في مدينة لن تنتخبك عمدة على المدى المنظور ،والأرجح أنه مامن شيي ينتظرك اكثر من البيرة الرخيصة والبصل والندم ،حتى انك لن تحصل على كلب أليف من فصيلة البودل .

العالم ليس كما في الأفلام ،بما في ذلك افلام الرعب والباراسيكلوجيا ،إنه واقعي للغاية ولقد نزع مؤخرا لاحتكار الفرص وجعلها محصورة اكثر في جملة نشاطات مرتبكة بالتقنية والمعلوماتية غالبا .

يعتقد الكثيرون أن كل الذي عليهم فقط هو الوصول للشاطئ الأوروبي ولو كمهاجرين غير شرعيين ، او تجاوز الأطلنطي فحسب وهناك في القارة الجذابة فردوس ينتظرك ،والأمر ليس صحيحا البتة ، ولم تعد  دول الغرب تقدم حياة بديلة لكل من وجد ان حياته في بلاده لم تعد بمقاسه .

لقد أمضيت سنوات كثيرة في الحلم الأمريكي ، تقمص سيرة حياة فلاديمير نابوكوف وقد كتب رواية لوليتا ، ناهيك عن حلم الحصول على اليانصيب الأمريكي الهائل ،اكثر من ثلاثمائة مليون دولار ،المبيت في نزل بين ولايتين ،الحصول هناك على رعاية جماعة اخترعتها انا وهي تعمل في تشييد حياة مثالية للروائيين القادمين من الشرق الاوسط تقديرا لمواهبهم وحاجة امريكا للغة جديدة مختلفة قادرة على  سرد الحلم الأمريكي والتبشير بحقبة المعلوماتية ،اعرف ان أحلامي كسولة متبطلة في هذا الشأن ،لكنني التفت وأقوم بترتيب وجوه أصدقائي المتململين في الغرب ،أصافحهم واحدا واحدا وأغمغم : انا هنا ،ليست حياة مثالية ،لكن حيث ينبغي ان أكون ،هل أعزي نفسي مثلا ؟ لا اظن ،رغم انه حقك اكتشاف مزايا حيث انت .

اشعل سيجارة وحدق في الجدران التي تضم كل مالديك في هذا العالم ،وهذا هو عالمك  صدقني : الحياة ليست في مكان آخر .

هذه المقالة تشبه الغرب الذي تحدثت عنه ،مكتظة بالكلمات الأنيقة ،انسيابية وجذابة ،لكنها بلا روح .

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!