حرب قذرة، أم تصور نسوي للعالم؟

د. مروان الغفوري
الاثنين ، ٢٠ يونيو ٢٠٢٢ الساعة ٠٤:٣٢ صباحاً
مشاركة |

حرب قذرة، أم تصور نسوي للعالم؟

تعليق حول فيلم دويتشه فيلله. 

حرب اليمن القذرة، كما قدمته القناة الألمانية دويتشه فييلا، هو فيلم أوروبي بامتياز: التصور الأوروبي النسوي للعالم، إذا ما اقتبسنا تعبيراً مدوياً من خطاب اليمين الألماني. قبل أيام تحدث مسؤول ألماني رفيع لراديو ألمانيا عن ترتيبات بلاده للحصول على الطاقة من قطر. تسأله المذيعة: وماذا عن ملف الحقوق في تلك الإمارة؟ يرد عليها بثقة: هي "تمرينات أخلاقية خطابية rhetorische moralische Übungen" سنواصل تأديتها مستقبلاً بما لا يضر بمصالحنا هناك، كما كنا نفعل مع روسيا. تتلاقى الحكومات، التي يديرها في الغالب ناشطون حزبيون محدودو الثقافة احتاجوا شهراً كاملا ليعرفوا مكان أوكرانيا في الخريطة، مع الناشطين المدنيين الذين يرون مشاكل الشرق بوصفها صراعاً بين الأديان. ميشيل فوكو، مفكر أوروبا الأكثر أصالة، سافر إلى إيران إبان الثورة الإسلامية ومارس تبشيرا غاية في السذاجة (كما قرأناه في فوكو صحافيا)، منتشيا بمنظومة حكم فاشية حتى العظم. 

 هذه الرؤية النسوية الساذجة للعالم [النسوية وليس النسائية] هي التي دفعت أوروبا بأسرها إلى الوقوف عارية أمام تحالف فاشي يمتد من بكين حتى صربيا، ولم تجد حياله من شيء لتفعله سوى إطفاء الأنوار بغية إهداء قيمة الغاز ! أو توزيع الخوذات على المتطوعين الأوكرانيين. 

محامي فرنسي [بريهام جوزيف] يسافر مع فريق إعداد فرنسي إلى صنعاء وهناك يجلسون إلى: محمد الحوثي، حسين العزي، يحيى الحبّاري، عبدالقادر المرتضى، وجلال الرويشان. يقدم هؤلاء نظريتهم حول المسألة اليمنية، فيقوم فريق الإعداد بتحويل تلك النظرية إلى حقيقة مزوّدة بصور منتقاة بعناية، وموسيقا مثيرة.

هذه النقاط ال33 هي خلاصة الادعاء الحوثي الذي قدمه الفيلم بوصفه الحقيقة الشاملة للحرب، وفي الختام سيجل المهندس الرئيسي للفيلم المحامي والناشط الفرنسي بريهام جوزيف ليكرر ما قاله الحوثيون في دقيقتين، متسائلاً كيف تدعم بلاده دولة وأنظمة متورطة في دعم الإرهاب على النحو الذين رأيناه في اليمن..

هذا هو الفيلم: 

1. يحصل أنصار الله على تعاطف ودعم إيران فقط لكونهم شيعة على الطريقة الإيرانية.

2. يواجه "أنصار الله" رئيساً منفياً وتحالفاً دوافعه سنّية جهادية.

3. استخدم التحالف قنابل السموم والغازات والقنابل العنقودية متسبباً في تفشي السرطان، الكوليرا، والديفتيريا وغيرها من الأمراض التي كانت قد انقرضت في ثمانيات القرن الماضي.

4. يشكل القاعدة وداعش مركز الثقل لدى التشكيلات العسكرية التي تواجه أنصار الله، وتعتبر  مدينتا مأرب وتعز مركزين استراتيجيين للتنظيمات الإرهابية.

5. يحيط الرئيس هادي ونائبه نفسيهما بقيادات من القاعدة، ويعمل السعوديون مع داعش في اليمن مستغلين حاجة الأوروبيين لنفط شبه الجزيرة العربية.

6. يؤيد ملايين الناس أنصار الله، ولذلك فهم يتعرضون لعقاب جماعي على شاكلة قطع الرواتب، ومنع وصول المشتقات النفطية، فضلاً عن قصف ممنهج للمؤسسات الطبية.

7. قصف التحالف مركزاً لأسرى الحرب لإيقاف صفقة تبادل مع تعز، فالتحالف لا يريد لمثل هذه الصفقات أن تجري. تعليق الفيلم: لعل الضربة كانت تحذيراً من نوع ما ليتذكر الجميع من هو المسيطر. يأخذ الفيلم هذا التقدير الحوثي رافعاً إياه إلى مصاف "الحقيقة الصادمة"، بحسب لغة الفيلم.

8. ينتقل الفيلم إلى مكان آخر ناقلاً صورة لحشود حوثية في صنعاء، في الخلفية زامل "إحنا وحوش الأرض"، يعلق الفيلم على الصورة: 

[.... ولكن رغم الغارات الجوية العديدة والحصار الجوي والبحري فقد انتصر أنصار الله على قوات الرئيس المنفي وأنصاره السعوديين]

9. لدى أنصار الله جيش من 200 ألف مقاتل يحصلون على دعمهم من رجال الأعمال اليمنيين.

10. يحيى الحباري رجل أعمال يمني جمع ثروته من التجارة ولكنه ترك لندن وعاد ليسخر ثروته في دعم الجيش اليمني ضد الرئيس المنفي [هكذا هي لغة الفيلم].

11. يبذل الحباري جل وقته لدعم الفقراء والجياع، ويفتح مزارع الفواكه خاصته لعابر السبيل وكل ذي جوع. 

12. لولا فاعلي الخير من رجال الأعمال الحوثيين كالحباري وغيره لمات الناس جوعاً. 

13. يشير الحبّاري، نجم الفيلم، إلى سيارته المصفّحة قائلاً إنه اشتراه وأنها كانت تخص الرئيس هادي. قال إنه لا يستخدمها إلا نادراً عندما يضع على عاتقه حماية المسؤولين الأممين الذين يزورون بلاده. يخشى عليهم من استهداف داعش الذي يحركه الرئيس المنفي. سيركز الفيلم على هذه المسألة ويجعلها خلاصته الأخيرة. 

14. محمد علي الحوثي محاربٌ محاربٌ محارب [على لسان الحبّاري]. ينقل الفيلم صورة لمحمد الحوثي وهو يصلي، وأخرى وهو يشرح أطماع السعودية في اليمن على خريطة. يعلق الفيلم "إنه صراع على النفوذ والبحار والنفط إذن".

15. الحوثيون ليسو جماعة طائفية، فقط ينادون بالعودة إلى القرآن ليكون حكماً بين كل الفرقاء، وهذا ما أغضب القاعدة وداعش والسعوديين [ينقل الفيلم هذه الفرضية على لسان محمد الحوثي، ويعلق عليها قائلاً: موقف موحد لكنه لا يعكس حقيقة أن هناك تاريخاً من الصراعات]

16. يسيطر الزيديون على شمال اليمن منذ القرن التاسع الميلادي، وتسعى السعودية منذ تأسيسها على القضاء على الوجود الزيدي هناك. هذا باختصار صراع بين مذهبين أصوليين [يقول الفيلم]. 

17. يملك اليمن احتياطات كبيرة من النفط، ولديه منافذ مهمة على البحار والكثير من الجزر. هذه الحقائق تفسر جانباً  آخر للعدوان السعودي على اليمن: النفط، وطرق التجارة العالمية، وليس فقط المذهب.

18. معظم السكان في شمال اليمن من المسلمين الزيدين، بمن فيهم الحوثيون. الزيديون هم أيضاً من الشيعة ولهذا فهم يحظون بالقبول الإيراني، وهذا سبب اعتداء السعودية "السنية الوهابية" عليهم [بحسب نص الفيلم حرفياً].

19. الحرب في اليمن بين السعودية واليمنيين، وهناك مرتزقة للسعودية مثل الرئيس المنفي ونائبه الذي يرعى الإرهاب منذ تسعينات القرن الماضي.

20. يواجه حزب الإصلاح جماعة أنصار الله مزوّداً برجاله الذين التحقوا بتنظيم القاعدة وداعش.

21. اليمن كلها تحت استهداف تنظيم داعش، وكذلك قيادات أنصار الله والقيادات الشعبية التي تعمل لصالح الشعب اليمن [كل من هو مشهور مستهدف، يقول الفيلم].

22. يعرف أنصار الله خارطة القاعدة في اليمن، ويعرف وزيرهم القوي جلال الرويشان كل الأسماء المطلوبة للعدالة. بينما يقوم الرئيس المنفي وحلفاؤه السعوديون بالتستر عليهم ودعمهم بالسلاح والمال [يعلبان دوراً مزدوجاً  [يجري الفيلم لقاء مع الرويشان مروجاً للفكرة التي تقول إن تعاون السعوديين في مسألة محاربة الإرهاب مجرد خداع تكتيكي وعلاقات عامة].

23. واجه التحالف والمرتزقة صعوبة في مواجة الجيش اليمني فاستعانوا بالجهاديين، وهم مكون أساسي من مكونات التحالف.

24. ينقل الفيلم جانباً من المواجهات في مأرب باعتبارها قتالا شرساً بين الجيش اليمني [أنصار الله] والقاعدة على تخوم مأرب. ينتقل إلى حسين العزي الذي سيقول: القاعدة هي من يقاتلنا بشراسة في مأرب.

25. ينتشر تنظيم القاعدة في كل مأرب، ويستعين وزير الدفاع بقائد التنظيم هناك [خالد العرادة]. أوكل وزير دفاع "الرئيس المنفي" مهمة الدفاع عن مأرب لتشكيلات القاعدة [يسمح لحسين العزي أن يؤكد هذا الادعاء، ثم ينقله كحقيقة نهائية]

26. تملك القاعدة جيوشاً في مأرب، تتمتع بحرية الحركة وقنوات السلاح المفتوحة بإشراف من الوزير المقدشي ونائب الرئيس المنفي [يصر الفيلم على استخدام هذه الصفة].

27. يملك أنصار الله سجلاً وافياً لخارطة القاعدة وداعش في مأرب [يستعرض الفيلم جانباً من السجل]. وقد قدموا تلك الخارطة في العام 2021 إلى المحافل الدولية ولكن [للأسف] لم تؤخذ في الاعتبار بسبب ارتهان أوروبا للنفط الخليجي. يقول العزي متحسراً: للأسف هذه الشرعية الإرهابية هي ما يعترف به المجتمع الدولي. يحسم الفيلم هذه النقطة باعتبارها حقيقة ختامية لا تحتاج لأي مزيد من النقاش، ويقفز إلى أخرى.

28.  يعرض الفيلم لقاء مع رجل أسود قال إنه أسير سوداني، الأسير المفترض يتحدث عن جبن السعوديين الذين جاؤا به ورفاقه لحمايتهم.

29. الزنداني قيادي في حزب الإصلاح، وهو قريب من بن لادن. علي محسن الأحمر رجل بوجهين: يقاتل مع التحالف ويقاتل مع القاعدة في الآن نفسه. هذا الإدعاء يستخلصه الفيلم من تلقاء نفسه. ثم يأتي بمحمد الحوثي للتعليق على هذه الفرضية فيقول الأخير ساخراً: مشهورة مشهورة.

30. موظفون في مكتب الرئيس منفي هادي هم قادة في تنظيم القاعدة.

31. في الجزء الأخير من الفيلم يجلس المعد الأساسي للفيلم، المحامي الفرنسي بريهام جوزيف، على كرسيه ويلتقط دقيقتين لنفسه وهو يقول [بعد أن استنار بما سمعه من الحوثيين]: في هذه المنطقة يدعم أفضلُ أصدقائنا أشد أعدائنا، نحن نعتمد على السعودية والإمارات وهم دولتان للأسف تدعمان الإرهاب أو تتوطآن معه كما تفعل في اليمن. إنه مثال ممتاز على أن السياسة ليست منطقية دائمة. 

32. ينقل الفيلم صوراً ميدانية لناشطين حوثيين يطبخون في الأزقة الفقيرة ويوزعون الغذاء بالمجان ضمن مجهود حوثي إنساني شامل لاحتواء حرب السعودية على اليمن. يلتقي ناشطاً حوثياً يقف أمام قدر يطعم 250 فقيراً في اليوم. يعلق الفيلم: إن أيمن، من خلال إطعامه لهذا العدد الكبير من الفقراء، هو أيضاً مقاتل مع أنصار الله. 

33. أطاح الحوثيون بنظام هادي المتحالف مع الإرهاب، في سبيل ذلك حصلوا دعم الملايين من أبناء شعبهم الزيدي في أغلبه. وفي منفاه لم يجد هادي من أحد ليستعين به من أجل استرداد سلطته الزائلة سوى السعوديين الوهابيين الحاقدين على الزيدية، أو تنظيمات الإرهاب المدعومة من الإمارات، أو الإصلاحيين الذين تركوا لأفرادهم فرصة للالتحاق بداعش. 

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!