هولوكوست غزة

د. مروان الغفوري
الاربعاء ، ٠١ نوفمبر ٢٠٢٣ الساعة ١٢:٣٥ صباحاً
مشاركة |

المؤكد، وفقاً للتجربة والبيانات، أن هولوكوست غزة سيفتح الباب على مصراعيه لظواهر عنف جديدة ستمتد من إندنوسيا إلى غرب أميركا. يتفق السيد راي، قائد جهاز الFBI، مع ما نقوله.. قال في إحاطته هذا اليوم، كما نقلت فايننشال تايمز، إن ما يجري في فلسطين سيلهم كثيرين، خارج وداخل أميركا، إلى سلوكيات عنف وإرهاب لم يشاهد لها مثيل من قبل.

 عندما اقتحم الحلفاء معسكرات الاعتقال النازية وجدوها مكدسة باليهود الأحياء، وبالقليل من الجثث. هولوكوست غزة أشد فظاعة، فعلى الأقل كان النازيون يطلبون من المعتقلين أن يعزفوا لهم عند أوبتهم.

 وفي الليلة الكريستالية، التي أخذت بسببها الأمة الألمانية رهينة، حطم النازيون واجهات متاجر اليهود ولم يسرقوها!

 لو فتحنا الباب على غزة الآن ما الذي سنجده؟ هل تبقى من غزة شيء؟ هل علينا أن نطالب الصهيونية، في نسختيها الإسرائيلية والأميركية او حتى في نسختها المخنثة ألمانيا، أن تعامل غزة كما عامل النازيون اليهود؟ أن تقتبس من تلك الوحشية الجنينية. لقد بلغت الوحشية النازية بلوغاً مدمرا، صارت يقال لها إسرائيل. 

 لطالما صرخ يهود غير متصهينين، كما تتبع غارودي: تعلمت الصهيونية من النازية كل شيء عدا أن تأخذ العبرة والعظة.

في العام ١٩٤٨ دخلت العصابات الصهيونية على قرية اسمها دير ياسين، تبعد حوالي ٥ كم عن مدينة القدس. من ٦٠٠ قروي قاموا بنحر ٢٠٠ فرد.  فرّ الباقون. في طريقهم قصّوا ما حدث فهربت سائر القرى. قال بن غوريون للرئيس الأميركي آنذاك: أنت تظن أنها عملية لا داع لها؟ لأنك لا تدري كم سهلت علينا من الأمور.

الصهيونية هي النسخة البشرية الأكثر وحشية على الإطلاق. تخيل داعش، بسلاح نووي، وبكل الترسانة الإعلامية والمالية الغربية، مضافاً إليها القوات المسلحة الأميركية. هذه هي الصهيونية في صورتها الشرق الأوسطية: إسرائيل.

تعرف إسرائيل أن مصيرها محل سؤال حرج. وقد كتب أيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، عن مخاوفه العميقة تجاه ما أسماها معضلة العقد الثامن. لاحظ أن كل نماذج الدولة اليهودية، في كل التاريخ، تلاشت قبل أو بحلول العقد الثامن. وجد لمخاوفه أصولاً توراتية. هل يحاول الجيش الإسرائيلي، باستعراضه الوحشي الراهن، أن يقول للتوراة والتاريخ: انتهت اللعنة، نحن باقون إلى الأبد؟

غزة وحيدة سياسيا، ثرية جماهيريا. لم يحدث أن طارت فلسطين في كل الدنيا كما يجري الآن. لا ينبغي انتظار الأنظمة العربية، كلها يعاني من أزمة مشروعية، وذلك فخ لن يخرجوا منه عمّا قريب.

غزة الآن على أكتاف كل رجل حر في العالم.

وهي غدا التشريع الذي ستستند إليه ظواهر العنف القادمة. 

هولوكوست غزة هو دعوة لكل البشرية: القوانين الدولية والأخلاق ليست ملزمة. أميركا علمت القاعدة وداعش هذا الدرس، والفتاتان برزتا في أدائهما "الأميركي" وأدهشتا العالم.

 هي الآن، أعني أميركا، تعيد شرح نفس الدرس لحفيدات قادمات. ذهب محرران اقتصاديان في دير شبيغل إلى القول إن انهيار سوق المال العالمي ٢٠٠٨ حدث بسبب ضربة القاعدة في نيويورك. للتغلب على المخاوف العميقة التي أصابت "ليبرالية السوق" ذهب الاحتياطي الفيدرالي يسن تشريعات مالية سفيهة في محاولة لإيهام الناس بأن الرفاه الليبرالي حقيقة ختامية وما من داعي لاهتزاز ",ثقتنا" بسبب طائرة انتحارية. جرّت تلك المغامرة المالية الخطرة إلى انهيار سوق المال وموجة فقر قاسية ضربت أميركا وأوروبا. قالت القاعدة إن أحد أسباب هجومها على نيويورك كانت قضية فلسطين.

فلسطين المقدسة بمستطاعها أن تصير إلى لعنة، وستفعل.

العالم متداخل ولا يمكن لحدث تحت السماء أن يجري مستقلاً كما لو أنه يحدث على كوكب بعيد. الغاضبون الذين شاهدناهم في داغستان يبحثون عن أي خيال ل"إسرائيلي"، كانوا مدفوعين بالأخلاقيك الجديدة التي تروج لها ألمانيا وأميركا:  من حق الغاضب أن يصير وحشاً. لو عثروا على إسرائيلي لوقع حدث مروع.

 ما يجري في غزة ليس وحسب هولوكوست، بل أخلاقية جديدة قيد التشكّل على حساب الأعراف والأخلاق والقوانين. 

هي مسألة وقت. فثمة ما يكفي من المقدمات:

هولوكوست، ظلم، صورة حية، استقواء، احتقار للقوانين، غضب، خطاب ديني، تشريع جديد للقوة والبطش، ومغلوبون.

السياسي الأبيض، رهينة القوى العميقة، لا يرى ما نراه. هو فقط يردد ما يؤمر بترديده. وللذين لا يعرفون وزيرة خارجية ألمانيا الحمقاء بيربوك، تلك التي صرخت من القاهرة بشراسة قل لها نظير لا ينبغي لإسرائيل أن توقف هجومها: هي امرأة عاشت طوال حياتها تحلم بألمانيا بلا لحم بقري، حد وصف وزير مالية حكومتها. ثم فجأة صارت مقاتلة في معركة لا تعرف عنها شيئا. وضعوا على شفتيها الكلمات، كما فعلوا مع سواها.

ليس بمقدور السياسي الأبيض أن يتخيل ما سيجري غدا. وغداً سيجري الشيء الكثير. لماذا لا تقول أميركا لنفسها وللآخرين ما الذي تعلمته ونسيته؟ 

أبرز ما جاء في لقاء معالي الدكتور شائع محسن الزنداني مع قناة سكاي...

لا تعليق!