شيء واحد يختفي تماماً من مقالات الرأي الإسرائيلية: من الذي يقتل رجالنا؟

د. مروان الغفوري
الثلاثاء ، ٠٢ يناير ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٧ صباحاً
مشاركة |

مثير! على نحو يومي أقرأ مقالات رأي إسرائيلية. ثمة سلك رفيع يربطها ببعضها، من هآرتس حتى معاريف.

 نواجه مأرقاً في غزة، يردد كتاب الرأي.  رجالنا يُقتلون ويجرحون كما لم يحدث من قبل. مزاج عام من التفجّع والشك: جيشنا يعشو بلا وجهة، والأرض خطرة. 

يقضي المثقف الإسرائيلي مقالته في استرداد الماضي، ضرب الأمثلة، أو التنجيم. الوضع النفسي لرجالنا ليس على ما يرام، لن ينسى رجالنا هذه المعركة الأليمة، ما الذي فعلناه حتى الآن؟ الصواريخ ستنهمر مجدداً بمجرد أن نقفل راجعين. رجالنا شجعان، ولكن الأرض خطرة وموت يتربص بهم في الأنحاء.

شيء واحد يختفي تماماً من مقالات الرأي: من الذي يقتلهم؟

 قد لا تجد مقالة واحدة تحيل إلى ما تنشره المقاومة الفلسطينية عن عملياتها العسكرية، وربما لن تجد إشارة إلى خسارة المعدات أو بسالة "العدو العربي".

 هناك موت في غزة، رجالنا احتملوا كثيراً، والعدو مختبئ. الهمجي الفلسطيني لا يفعل سوى شيء واحد: يختبئ. أما رجالنا فيقتحمون أخطر الأماكن ويُقتلون. من يقتلهم؟

 لا يجرؤ كاتب إسرائيلي على الإشارة إلى القاتل والقتيل في جملة واحدة. العربي يغتصب النساء ويشنق الأطفال على حبال الغسيل، أما رجالنا فيُقتلون في المعارك. من يقتلهم؟

 لا ينبس كاتب ببنت شفة عن "الفاعل"، هناك بسالة توراتية مثيرة للإعجاب، استشهاد يليق بأمة قاومت الفناء ٣٧٠٠ سنة قبل التفاهمات الأميركية- الإسرائيلية، وستعيش ٣٧٠٠ عاماً بعد أميركا (كما قال بيغن لسفير أميركا، ١٩٨١، محتجاً). يا له من موت مشرف يحيط برجالنا. من يقتلهم؟ 

 رجالنا يخوضون حرب البقاء الثانية وسينتصرون، العدو يختبئ ستين متراً تحت الأرض، أبطالنا يسقطون في سبيل بلادهم. من يقتلهم؟

 ترتعد يد الكاتب الإسرائيلي، لا يجرؤ على القول: صرع مقاتل فلسطيني جندياً إسرائيليا في ساحة المعركة. إذا تواجه الرجلان فلا ينبغي للفلسطيني أن يكون فاعلاً. وإن حدث فلنخفيه من القصة، لنروي الجزء الخاص بنا: جاد مقاتلنا الجسور بروحه في معركة مقدسة. 

 في السابع من أكتوبر قتل مئات الجنود الإسرئيليين، دمرت فرقة عسكرية على نحو محيّر، وانهار ١٥ موقعاً عسكرية في ساعات قليلة. ما الذي يرويه الكاتب الإسرئيلي عن تلك المعركة؟ اغتصبوا فتياتنا وفروا إلى الأنفاق. 

لا يتحدث كاتب واحد في إسرئيل عن كيف انهزم الجيش وسقط رجاله بالمئات صرعى. 

حسناً، لقد سقطوا ولكن العدو الهمجي فتح الأفران وألقى إليها بالأطفال الرضع. 

يخشى الكاتب الإسرائيلي أن تخلق هذه الحرب "صورة المقاتل" للفلسطيني، لذلك الهمجي الذي يلقي الصواريخ من أعماق الأرض ويختبئ في غرف المرضى. لا ينبغي، إياكم، أن تتسلل إلى ذاكرتنا صورة لفلسطيني يقتحم الأسوار ويلتحق بالمعركة. لنجعله يقتحم الأسوار، لنجعله يفعل ذلك ليغتصب طفلة وأمها. أما رجالنا الشجعان فقتلتهم الظروف. 

 رجالنا يركبون الأهوال ويُقتلون. من الذي يقتلهم؟ رجالنا يبحثون عن السفلة القتلة، إننا نفجع كل ساعة بحياة جنودنا. من الذي ينتهك حياتهم؟ 

آن أن نعيد حساباتنا، يقول المثقف الإسرائيلي، وربما أن نترك لهم تلك الأرض اللعينة. لقد خسرنا العديد من الجنود ولم نجد الأعداء. لم نجد أيّاً من أولئك الهمجيين الذين "خربوا" فرقة غزة لأجل أن يصلوا إلى فتاة في ال ١٧ من عمرها ويقطعوا نهديها.

أما رجالنا فهم هناك في الميدان، يفقدون حياتهم الرجل تلو الآخر، وما من فلسطيني واحد قادر على أن يطلق عليهم النار!

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!