دولة هاشمية فاشية في الشمال، وأخرى فاشية في الجنوب، أفضل من الفوضى الشاملة

د. مروان الغفوري
الأحد ، ٢١ يونيو ٢٠٢٠ الساعة ٠١:٤٩ صباحاً
مشاركة |

ستدخل أجيال جديدة في متاهة وجودية، ما لم ينجز الحوثيون في الشمال دولتهم الهاشمية، وينجز الانتقاليون في الجنوب دولتهم الفاشية، وتصفى قضيتا تعز ومأرب داخل نموذج ما. الفاشيات في أميركا الجنوبية تحولت إلى دول مستقرة، بعضها قطعت شوطا في سكة الديموقراطية، بخلاف فوضى أفريقيا. كما أن النموذج الإيراني، وفق مقاييس معينة، يعد أفضل من الفوضى الأفغانية. أما المثقف فعليه أن يواصل هجاء النماذج الفاشية والتحذير من مخاطرها طويلة المدى. تلك مسألة أخرى لا علاقة لها بال Realpolitik أو السياسة والحقيقة كما هي.

الفاشيتان، شمالا جنوبا، ستقع عليهما مسؤوليات مركزية، وفي مقدمتها تطبيع الحياة. داخل "التطبيع" ستعمل الفاشيتان على إخضاع كل الناس لسلطة واحدة، وستتلاشى كل فرصة ل"الحكم من خلال النقاش". الفاشية نموذج حكم أكثر شيوعا من سواه، وقد يكون كفؤلا أو فاشلا.

لو تلاشى الحوثيون الليلة، لو تلاشى الانتقاليون هذا المساء فسيواصل اليمنيون قتالهم ضد بعضهم، وسينتجون نسخا جديدة شبيهة بالحوثيين والانتقاليين. بعد دحر الحوثيين من تعز حل محلهم طارق وأبو العباس، كلاهما لا يقل خطرا عن الحوثيين، أحدهما يبحث عن دولة أبيه والآخر عن دولة قرأها في كتابه المبين.

إذا طوع الحوثيون كل هذه الفوضى واحتكروا العنف والبطش، إذا أوجدوا شكلا للدولة بحدود وسيادة، إذا استخرجوا من كل هذه الفوضى "مملكة هاشمية" ذات شخصية ما، إذا نقلوا نموذج صنعاء إلى باقي محافظات الشمال: سيادة، احتكار للعنف، إدارة، برلمان، طب، تعليم، أسواق، ومرجعية سلطوية (هذا ما يجري في صنعاء) فسنكون بإزاء نواة لدولة فاشية تشبه كل الفاشيات المستقرة (الإمارات والسعودية دولتان فاشيتان، النظام الحاكم على أهبة الاستعداد لهتك مدينة بأكملها بسبب تغريدة).

إذا استطاع الحوثيون إخفاء معالم جريمتهم من خلال الشوارع الكبيرة، المطارات، الجامعات، والمزارع الخضراء .. فسيكونون، فعلا، قد قضوا على الفوضى التي أسهموا في صناعتها.

جنوبا يبدو الانتقال إلى دولة كفؤة ومستقرة أقل احتمالا لأسباب كثيرة. ليحدث ذلك، فليحدث، ولينتقل الناس من الفوضى الشاملة إلى حقبة الفاشية. علميا، وهناك دراسات كثيرة حول الأمر، فإن الفاشيات ذات المنظومة (إيديولوجيا، حزب، إثنية) هي أكثر قدرة على تحقيق الاستقرار والرفاه، والبقاء طويلا، من فاشيات الرجل الواحد، أو الفاشيات العمياء غير المؤدلجة. ثمة فرصة في الشمال لدولة مستقرة، ونصف فرصة في الجنوب. لكن الفاشيات، أيضا، تخلق في النهاية استقرارا على المحك، ومجتمعات محدودة القدرة. كفاءة الفاشيات تقارن، في بعض الحالات، باللادولة لا بالنماذج الليبرالية. وقد تكون طورا لا بد منه للخروج من تيه الستين عاما.

الذين يقاتلون دفاعا عن العباس، صالح، الزبيدي، الحوثي، محسن، إلخ هم يقاتلون عن النموذج نفسه وإن اختلفت واجهاته هؤلاء سيستطيعون التعرف على الأشياء التي يفضلونها إذا ما أتيح لهم العيش داخل نموذج فاشي، وسيكتشفون أن الدولة الحوثية تناسب خيالهم وحاجاتهم، كذلك الأمر في المستعمرات الجنويية.

أما اليمن الذي عرفناه، أو لم نعرفه، و"الشعب اليمني" الذي تخيلناه .. فتلك حقبة خلت.

م.غ.  

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!