“حرب على المخدرات” في السعودية تبث الخوف في نفوس المروجين والمتعاطين

قبل 10 شهر | الأخبار | تقارير
مشاركة |

بات مروّج المخدرات إبراهيم يتعامل مع زبائنه الذين يعرفهم شخصيا فقط ويمتنع عن توصيل بضاعته، خشيه أن تطاوله "الحرب على المخدرات" التي تشنها السعودية أخيرا، وأدت إلى مضاعفة أعداد مرتادي عيادات علاج الإدمان.

وقال إبراهيم (37 عاما) وهو اسم مستعار لمروّج مخدرات تحدث لوكالة فرانس برس شرط عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية "لم أعد أتعامل مع زبائن جدد ولم أعد أذهب لزبائني كالمعتاد".

وأضاف "بات عليهم أن يتحملوا المخاطرة بأنفسهم"، متحدثا في مدينة جدة الساحلية على البحر الأحمر بعد أسابيع من توقيف عدد من زبائنه.

وأطلقت السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في العالم العربي وإحدى أكبر أسواق مخدر الكبتاغون في الشرق الأوسط، منذ نهاية نيسان/أبريل الماضي، أكبر حملة متزامنة ضد المخدرات عبر البلاد منذ سنوات.

وقُتل رجلا أمن في مداهمات ومطاردات مع تجار مخدرات، فيما يتزايد توقيف مروجين ومتعاطين، في أعقاب استئناف الإعدامات في جرائم المخدرات.

وأشار إبراهيم إلى أنّ "عددا من زبائني أوقفوا في مجمع سكني خاص. هذا لم يكن يحدث سابقا على الإطلاق".

وتعلن المملكة بانتظام منذ أشهر ضبط كميات من حبوب الكبتاغون ومختلف أنواع المخدرات تأتي بشكل أساسي من سوريا ولبنان عبر شحنات. لكن الحملة الأخيرة باتت منصبة أكثر على التصدي للمخدرات داخل المملكة المترامية الأطراف.

وفي هذا السياق تنشر الشرطة نقاط تفتيش على الطرق السريعة وداخل الأحياء، وكثيرا ما توقف سيارات خصوصا تلك التي يستقلّها شباب وتفتشها بدقة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى توقيفات.

وتنتشر على الطرقات إعلانات تحث السكان على الإبلاغ عن مهربي وتجار المخدرات "لحماية أمن الدولة والأسر والمجتمع".

وأفاد مسؤول أمني فرانس برس أنّ الحملة الأخيرة انطلقت بعد سلسلة حوادث عنيفة ارتكبها متعاطو مخدرات بينها قيام أحدهم بحرق أمه وأبيه بسكب البنزين عليهما وقتل آخر صديقه بإحراقه في سيارته.

ونفّذت المملكة حُكم الإعدام بحق الثاني الخميس، بعد نحو ستة أشهر من الحادثة.

-"عمق شبكات المخدرات"-

وتُعد المنشطات الأمفيتامينية أكثر المخدرات تعاطيا في السعودية، وهي أيضا المجموعة الأكثر شيوعا في حالات تلقي العلاج الأولي، حسب تقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في 2022.

وتُشكل دول الخليج وخصوصاً السعودية الوجهة الأساسية لحبوب الكبتاغون التي تأتي أساسا من سوريا حيث تحوّلت إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها عشرة مليارات دولار.

ويصف مسؤولون سعوديون أحيانا الكبتاغون بحبوب الحفلات، لكنّ الطبقة العاملة الباحثة عن القوة اللازمة للعمل لساعات إضافية باتت أيضا من متعاطيها.

ونهاية العام الماضي، استأنفت السعودية تنفيذ عقوبة الإعدام في جرائم المخدرات بعد تعليقها في كانون الثاني/يناير 2021. ومذاك أعدمت السلطات 20 شخصا على الأقل وفقا لتعداد وضعته وكالة فرانس برس استنادا إلى البيانات الرسمية.

وقالت كبيرة المحللين في معهد "نيو لاينز" في واشنطن كارولين روز، "خلال العام إلى العامين الماضيين، لاحظنا زيادة في الاعتقالات داخل البلاد واستخدام عقوبة الإعدام".

وأشارت إلى أنّ التحول من حملة عبر الحدود إلى داخل البلاد يعزى إلى "التركيز على المسائل الأمنية المرتبطة بالكبتاغون واعتراف بمدى عمق بعض شبكات (المخدرات) داخل المملكة في ما يتعلق بالاتجار والتوزيع".

من جانبه، اعتبر المحلّل السعودي سليمان العقيلي أنّ الحملة الجارية هدفها حماية الشباب "الشريان الرئيس للدورة الاقتصادية للبلاد" الراغبة في تنويع اقتصادها المرتهن بالنفط.

وقال إنّ "السعودية تقوم بمشروع اقتصادي ضخم متعدد الأركان والشباب العمود الرئيسي لهذا المشروع".

ويشكّل الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاما، 51,1 بالمئة من إجمالي سكان السعودية البالغ عددهم 32,2 مليونا.

-"لن ينجو أحد"-

وتسجّل المملكة أكثر من 200 ألف حالة إدمان على المخدرات، على ما نقل الإعلام المحلي عن وزارة الصحة، بينما تسعى حالات قليلة للعلاج. ولم يرد المتحدث باسم الوزارة على طلبات فرانس برس للتعليق على الأمر.

لكنّ الحملة الأخيرة على المخدرات دفعت المئات للبحث عن علاج.

وأكّد مدير البرامج العلاجية في مركز رشد لعلاج الإدمان في الرياض حمد الشيحان أنّ "الخوف" من التوقيف دفع مئات المتعاطين لمراكز علاج الإدمان.

وفي مكتبه حيث كان 10 شباب على الأقل ينتظرون بدء جلساتهم وقد وضع العديد منهم نظارات سوداء لإخفاء هوياتهم، قال لفرانس برس "بعد الحملة الأخيرة، تزايدت الأعداد في المركز. نستقبل حاليا 1000 شخص شهريا بدلا من 100 فقط سابقا".

وأوضح أنّ "نسبة العملاء الذين يأتون طواعية باتت تتجاوز 50 بالمئة فيما لم تكن تتعدى 10 بالمئة قبل ذلك".

وأشار إلى أن أكثر المخدرات شيوعا في البلاد هي الشابو، أحد أنواع "الميثامفيتامين"، والكبتاغون ونبات الحشيش، حسب الراغبين بالتعافي الذي يأتون إلى المركز، وغالبيتهم شباب تتراوح أعمارهم بين 17 و21 عاما، ونصفهم نساء.

وتواجه جهود الحملة السعودية مقاومة شرسة على الأرض.

فقتل رجلا أمن في مداهمات لأوكار تجار المخدرات في جدة (غرب) ورفحاء (شمال)، كان آخرها الثلاثاء بحسب الإعلام الرسمي.

ويذيع التلفزيون الحكومي بانتظام نتائج حملات مكافحة المخدرات ويستضيف خبراء في مكافحة الإدمان ومدمنين، يتم غالبا حجب اسمائهم ووجوههم، يروون تجاربهم الصعبة مع المخدرات.

والشهر الماضي، أعلن وزير الداخلية السعودي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف "ما زلنا في بداية الحملة"، مؤكدا "لن ينجو منها مروجو ومهربو المخدرات".

وبالنسبة للمحلل العقيلي فإنّ هدف الحملة الرئيسي هو بث الخوف في نفوس الضالعين في المخدرات.

وقال "الرسالة هي إذا لم تكن تخاف على نفسك، فعليك أن تخاف من الحكومة".

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!