من أين جاء الغيلي بسفينته؟

د. مروان الغفوري
الخميس ، ٣٠ يونيو ٢٠٢٢ الساعة ٠١:٢٠ صباحاً
مشاركة |

صمم توني هولميستون [من هو؟] مشروعاً لفندق سابح في الفضاء، وقام الناشط في الصحافة العلمية ”الغيلي” بتحريك التصميم بتقنية ثلاثية الأبعاد. ثمة حفلة طوباوية عالمية تعمل على تخيّل جنّة المستقبل، بموازاة مزاج ديستوبي واسع يرى العالم سائراً على حافة الهاوية. فبالأمس عرضت ”لازرينو” الإيطالية تصميماً مشوّقاً ليخت طائر، وهو ماكَنة تبحر على الماء وتطير في الفضاء لأيام عديدة، وعليها مهبط مروحيات ومتنزهات وتعمل بالهيليوم. كما درست قطر تصميماً لفندق عائم، يدور 360 درجة، ويتغذى على أشكال مختلفة من الطاقة، ويأخذ شكل جنّة مستحيلة التحقيق [هل سيجري تنفيذه؟ لا توجد إجابات]. 

تصميم هولميستون/الغيلي ليس جديداً لا شكلاً ولا موضوعاً، كما ليس اختراقاً في حفلة المستقبليات النشطة والخيالات ثلاثية الأبعاد. 

دعوني أعرض عليكم هذا الافتراض:

عرضت نت فيليكس ثلاثة مواسم من مسلسلها ذائع الصيت ”Lost in Space”. أنتج المسلسل في العام 2018، وكان من المفترض أن تنتج الشركة موسماً رابعاً غير أنها تراجعت معلنة ”لم يعد هناك من أسرار، كل شيء بان”. 

ما فكرة المسلسل التي – ربما – أوحت لهولميستون/ الغيلي بفكرة الفندق الطائر؟ 

في العام 1719 كتب دانيال ديفو، الروائي الإنجليزي الأشهر، عمله ”روبنسون كروزو”. كان ديفو قد أنتج أعمالاً سردية لم تنل حظاً من النجاح، وسمع أن البحارة الإنجليز عثروا على مواطن إنجليزي في جزيرة نائية بالقرب من البرازيل. بحث عن الناجي وجلس إليه متوسّلاً: قص علي حكايتك. تحطمت سفينة الرجل، تقول الحكاية، فوجد نفسه وحيداً في جزيرة عاش فيها أربع سنوات إلى أن فقد ”اللغة”. لاحظ البحّارة أن إنجليزية الرجل قد تكسّرت، ذلك أنه لم يستخدمها لسنوات. أسست الرواية لما يمكن تسميته بـ ”Castaway Lit. ” أدب الضياع، أو أدب المبعدين. مطلع القرن التالي، 1812، سيكتب السويسري جون وايس روايته الشهيرة ”العائلة السويسرية روبنسون”، على منوال ديفو، رحلة العائلة المهاجرة إلى أستراليا. تضل ”روبنسون” الطريق، وتجد نفسها على واحدة من جزر المحيط الهندي المعزولة عن العالم. مغامرات ومكابدات وأهوال، ثم نهاية سعيدة. شهدت الرواية فترات نجاح وخفوت خلال قرنين من الزمن، إلى أن قررت أميركا بعثها من جديد في مسلسل تلفزيوني عرض بين العامين 1965 – 1967. حمل المسلسل عنوان: ضاع في الفضاء [Lost in Space ]، العنوان الذي ستستعيره نت فيليكس في مسلسها المُشار إليه، وسيحمل المسلسلان اسم عائلة روبنسون، أبطال رواية سويسرية كُتبت عام 1812. 

في النسخة الأحدث من حكاية عائلة روبنسون تقرر العائلة النجيبة السفر إلى المجموعة الكوكبية ”ألفا سينتاوري”، وهي مجموعة على بعد أقل من خمس سنوات ضوئية من شمسنا الرائعة. تصعد العائلة إلى الريزولوت، Resolute، السفينة الاستعمارية الرهيبة وتأخذ مكانها داخل طائرتها الخاصة جوبيتر. لكل مجموعة رحالة طائرة تخصها، الطائرة مزودة بكل شيء من التقانة إلى غرف العمليات. ريزولوت الأم هي سفينة استعمارية عملاقة، عالم مترامي الأطراف: مهابط طائرات، اسطبلات خيول، مشافي، مطاعم، ملاعب، وقود ذاتي [ليس واضحاً مصدره، ربما كان الشمس]. الريزولوت تحلق في الفضاء الى الأبد، تصل إليها الطائرات من الأرض [الجوبيترس] وتنقلها إلى أماكنها البعيدة في الفضاء، طبقاً للجهة الكوكبية التي تريدها [مستعمرات كوكبية]. يحدث أن تهجم مخلوقات فضائية عالية التقانة على الريزولوت وتضيع عائلة روبنسون في الفضاء، هذه المرة ليس على الطريق إلى استراليا كما تخبرنا الرواية الأم، بل إلى ألفا سينتاوري. 

تسبح ريزولوت في الفضاء، مكتفية بذاتها، مغلقة على نفسها، تصعد إليها الطائرات حاملة المسافرين، تطوف ريزولوت كأنها مدنية صغيرة أو [فندق عملاق]، ربما تعتمد على الطاقة الشمسية أو الوقود النووي. 

يخبرنا تصميم هولميستون/ الغيلي بأمور مشابهة، وعلى مستوى خفيض. بدلاً عن إرسال ”سفينة السماء” إلى الكواكب، على طريقة ريزولوت، قرر الثنائي هولميستون/ الغيلي تركها تحلق فوق المدن بوقودها النووي ومحركاتها العشرين. رغم محاولة الرجلين تصوير ”سفينة السماء” كجنة طائرة إلا أنها جاءت أقل قدرة ومرونة من ريزولوت، من سفينة آل روبنسون. سأقول: من الفكرة الأم. 

الحقيقة أنه ليس من حقنا إغفال خلفية المشهد، أو ”ما الذي سمعه الرجلان خارج الخشبة”. انتقل الغيلي للعمل لدى متحف المستقبل في دبي، إذ يقوم المتعاقدون هناك فرادى وجماعات بتقديم تخيلاتهم عن المستقبل، ومن الجيد أن تكون تلك التخيلات ”دبوية”. أي: الأطول في العالم، الأحدب في العالم، الأبجع في العالم. ولأنها دُبي، وليست نت فيليكس، فإن مشروع الغيلي وصاحبه لم يتجاوز فكرة الفندق. تجعل دبي الفنادق تدور، تغطس، تنتج مياه، تغير ألوانها، وأخيراً: تطير. 

 الحقيقة أن التصميم الذي قدمه الثنائي هولميستون/ الغيلي يبدو أقل من خيال علمي وأكثر من إعلان سياحي، وكان ممكناً أن يتخيل الرجلان أموراً أكثر ابتكاراً إذا ما تذكرنا أن الغيلي ينشط في الأساس في تبسيط العلوم وليس في هندسة الفنادق.

ألهم الأدب الخيال العلمي، والأخير ألهم العلم وفتح الباب للفيزياء والبيولوجيا. بدأت رحلة عائلة روبنسون قبل مائتي عام على المحيط الهادئ، ثم وصلت إلى ألفا سينتاوري، مفسحة المجال لمزيد من الخيالات حول المستقبل. 

بالأمس قالت دراسة استرالية إن مركز الأرض يفقد حرارته بتسارع أعلى مما تخيله العلماء من قبل، وأن هذه الأرض الرائعة قد تصير إلى خردة غير صالحة للعيش مثل المريخ. ذلك هو الجانب الديستوبي في حياتنا الحقيقية، الجانب الذي لن تطير فوقه فنادق دبي. ويبدو فندق يطير فوق الهاوية/العالم نكتة في غير وقتها، وأقل هيبة من اسمها. 

غير أن ما يقلق بشأن التصميم الذي قدمه الغيلي هو ”دبي إيفّيكت” أوتأثير دبي. سرعان ما تحول الرجل من متابعة بحوث البيولوجيا وتبسيطها للمتلقي العادي إلى صناعة الفنادق، إلى ”دبي حرفياً”. ظننتُ، لزمن، أن دبي إيفّيكت إنما يطال مطربي الدرجة الثانية و”منافيخ” إنستغرام. حتى العلم يا مولاي، حتى العلم.   

الظاهرتان المناخيتان إل نينيو وإل نينيا

لا تعليق!