إذا كان لأحد أن يتحمل مسؤولية المذبحة اليومية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاضب والمقهور في غزة، والذي تعج صفوفه بالمستوطنين المتدينين، فهو الرئيس الأمريكي جو بايدن.
منذ الأيام الأولى بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صوّر بايدن هذا العمل الوحشي من العقاب الجماعي بحق 2.3 مليون فلسطيني على أنه حرب عادلة.
وهو الذي قاد الدعوات التي تقول بأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وهو الذي عرقل المحاولات للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو الذي قام بتجديد مخزون إسرائيل من القنابل والصواريخ الذكية.
وتحت إشرافه أدارت الولايات المتحدة ظهرها لمحكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية.
نقلت مجلة تايم الأمريكية عنه قوله الأسبوع الماضي: "إننا لا نعترف بالمحكمة الجنائية الدولية". وسيكون عليك أن تدقق النظر مرتين قبل إعادة القراءة. إن بايدن هو الذي يتحدث حقاً، وليس الرئيس السابق دونالد ترامب.
يقترب عدد القتلى الذي أعلن عنه من 40 ألف شخص، وقد تكون آلاف الجثث تحت الأنقاض. وقد تم تدمير أو تضرر أكثر من نصف المباني في غزة، بالإضافة إلى المستشفيات والجامعات والمدارس والملاجئ وأنظمة الصرف الصحي والأراضي الزراعية. لقد أسقطت إسرائيل على غزة في 8 أشهر عدداً من القنابل يفوق ما أُسقط على لندن ودريسدن وهامبورغ خلال السنوات الست من الحرب العالمية الثانية.
وقد قُتل الصف الأول والثاني وجزء كبير من الصف الثالث من الإداريين المدنيين في غزة، حسب ما أخبرتني مصادر فلسطينية قريبة من حماس في الدوحة. وقد تستغرق غزة عقوداً للتعافي من هذا الهجوم.
وقالت شبكة Fews Net، وهي شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة ومقرها الولايات المتحدة، إنه "من الممكن، إن لم يكن من المحتمل" أن المجاعة قد بدأت في شمال غزة في أبريل/نيسان. ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، "من المتوقع أن يواجه أكثر من مليون شخص الموت والجوع" بحلول منتصف يوليو/تموز.
"خط أحمر" في رفح
ليس من قبيل الصدفة أن يفكر ائتلاف من الناخبين العرب والمسلمين والطلاب ممن ينتمون إلى الحزب الديمقراطي في الولايات المتأرجحة في رئاسة ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة لتحقيق الهدف النهائي المتمثل في ضمان أن يكون بايدن آخر رئيس صهيوني لحزبهم.
لقد قام بايدن بمحاولتين لكبح الحملة التي يشّنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرجل الذي قال عنه الرئيس الأمريكي إنه يوّسع الحرب لمصلحته السياسية.
المحاولة الأولى كانت تهديده بوقف توريد القنابل الثقيلة إذا مضى نتنياهو قدماً في عمليته في رفح. ومع ذلك، استولى نتنياهو على معبر رفح وأعاد احتلال ممر فيلادلفيا. ويتواجد جيشه في شرق رفح ويقصف الجزء الغربي منها بشكل متواصل.
وفي أوائل شهر مايو/أيار الماضي، أعلن بايدن أن "الاجتياح الكبير" لرفح سيكون خطاً أحمر. فماذا كان إذاً مصير هذا التهديد بعد فرار مليون فلسطيني من رفح؟
عندما سُئل عن عدد الجثث المتفحمة الناجمة عن الغارات الجوية الإسرائيلية التي يتعين على بايدن رؤيتها قبل أن ينفذ تهديده، تخبط المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي في الرد.
وتساءل إد أوكيف، المراسل السياسي لشبكة سي بي إس، قائلاً: "كيف لا يخالف هذا الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس؟"، ليرد كيربي بقوله: "كما قلت، لا نريد أن نرى عملية برية كبيرة".
ولكن هذا هو ما حصل بالفعل. أنت ترى عملية برية كبيرة يا سيد كيربي.
من الواضح أن نتنياهو نظر إلى تهديد بايدن على حقيقته -جعجعة-، وتصرَّف وفقاً لذلك.
قدم بايدن عرضاً ثانياً في مواجهة إسرائيل يوم الجمعة الماضي.
فجأة، وبسبب الانزعاج الواضح لدى مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، أعلن الرئيس الأمريكي علناً تأييد واشنطن مقترحاً "لوقف إطلاق النار الشامل والدائم"، معتبراً ذلك عرضاً إسرائيلياً لحماس.
وقبل بضعة أسابيع، وقّعت حماس على وثيقة وقف إطلاق النار تحت أنظار مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز، وبموافقته الكاملة، والتي تضمنت وقف إطلاق النار الشامل والدائم. لكن مجلس الوزراء الإسرائيلي رفضها، وتبعتها الولايات المتحدة بخنوع، ووصفت الاتفاق الموقع بأنه "مقترح مضاد" قدمته حماس.
ظهور الحقيقة
لذا، إذا كان ما قاله بايدن قبل أسبوع هو بالفعل بمثابة تأييد لاقتراح مماثل، لكان ذلك بمثابة تقدم.
إليكم ما قاله بايدن قبل أسبوع: "أعرف أن بعض الأطراف في إسرائيل لن تتفق مع هذه الخطة وتدعو إلى مواصلة هذه الحرب إلى أجل غير مسمى، وبعض هذه الأطراف في الائتلاف الحكومي قد أوضحت أنها تريد احتلال غزة ومواصلة القتال لسنوات، وأن الرهائن ليسوا أولوية بالنسبة إليها. لقد حثثت القيادة الإسرائيلية على دعم هذه الصفقة على الرغم من أي ضغوط."
وتابع: "اسمحوا لي أن أتوجه إلى الشعب الإسرائيلي وأقول: باعتباري شخصاً ذا التزام لمدى الحياة تجاه إسرائيل، وباعتباري الرئيس الأمريكي الوحيد الذي زار إسرائيل في وقت الحرب، وباعتباري رئيساً قد أرسل القوات الأمريكية مؤخراً للدفاع عن إسرائيل بشكل مباشر عند تعرضها لهجوم إيراني، أطلب منكم التريث والتفكير فيما سيحدث إذا ضاعت هذه اللحظة. إن الحرب إلى أجل غير مسمى سعياً وراء فكرة النصر الكامل غير المحددة لن تؤدي إلا إلى تعثر إسرائيل في غزة واستنزاف مواردها الاقتصادية والعسكرية والبشرية وتعزيز عزلتها في العالم".
كان من الممكن أن تُقال هذه الكلمات بنفس القدر من القوة قبل 8 أشهر، لكنها أخيراً تُقال الآن.
أربك خطاب بايدن حكومة الحرب لمدة 48 ساعة. وأصدر نتنياهو بيانين متناقضين.
ثم ظهرت الحقيقة: إن وصف بايدن لاتفاق وقف إطلاق النار المكون من ثلاث مراحل لا يتطابق مع الوثيقة التي وقع عليها مجلس الوزراء الإسرائيلي.
والأهم من ذلك، أن الاتفاق المنشور هنا لا ينص على "وقف شامل ودائم لإطلاق النار".
وقال بايدن في كلمته إنه بعد انتهاء المرحلة الأولى من إطلاق سراح الرهائن والسجناء، سيتواصل وقف إطلاق النار بينما تستمر المفاوضات بشأن المرحلة الثانية.
النص يقول شيئاً مختلفاً تماماً؛ يستحق القسم الرئيسي، الفقرة 14، الاقتباس بالكامل هنا، حيث ينص على: "تستمر جميع الإجراءات الخاصة بهذه المرحلة، بما في ذلك الوقف المؤقت للعمليات العسكرية من قبل الجانبين، والجهود المبذولة لتوفير المساعدات الإغاثية والإيواء، وانسحاب القوات، الخ، في المرحلة الثانية أيضاً طالما تواصلت المفاوضات بشأن شروط تنفيذ المرحلة الثانية من هذا الاتفاق. وعلى ضامني هذا الاتفاق بذل قصارى جهودهم لضمان استمرار تلك المفاوضات غير المباشرة حتى يتمكن الجانبان من التوصل إلى اتفاق بشأن شروط تنفيذ المرحلة الثانية من هذا الاتفاق".
ولنقف عند هذه العبارة "بذل قصارى جهودهم"، لا شيء من هذا يلزم إسرائيل بالاستمرار في المرحلة الثانية إذا فشلت المفاوضات. وفي حال فشلت بالفعل، فإن إسرائيل ستستأنف الحرب.
مرة أخرى، يخدم بايدن النتيجة النهائية لإسرائيل. لقد عزز موقف إسرائيل الأساسي طوال هذه المفاوضات. وكما سمح بمواصلة الهجوم البري الكبير ضد رفح، يدعم بايدن حق إسرائيل في مواصلة الحرب بعد الإفراج الأولي عن الرهائن والسجناء.
وفي هذا الصدد، فإن نتنياهو محق؛ فالنص لا يدعم ادعاء بايدن بأن وقف إطلاق النار سيكون "شاملاً".
إن توقيع قادة حماس على وثيقة كهذه يعني الاستسلام، والخروج من أنفاقهم والتلويح بعلم أبيض كبير. ونحن نعلم جميعاً ما يحدث للأشخاص الذين يلوحون بالأعلام البيضاء.
ولن يضمن الاتفاق إنهاء الحرب، أو انسحاب القوات الإسرائيلية، أو عودة أكثر من مليون فلسطيني نازح إلى ديارهم. وستذهب ثمانية أشهر من الحرب سدى.
إضعاف بايدن
وكما ذكرت مؤخراً، فإن حماس ليست في مزاج يسمح لها بالقيام بذلك. وسواء أكان ذلك صحيحاً أم خطأً، فهي تدرك أنها تنتصر في معركة الإرادات في غزة. وتعتقد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي في وضع حرج.
وتدرك حماس الدمار والخراب الذي أحدثته الحرب فوق الأرض، لكنها واثقة من قدرتها على العمل لعدة أشهر قادمة تحت الأرض.
فبعد توقيع حماس على وثيقة واحدة تم تقديمها كصفقة من قبل الوسطاء المصريين والقطريين، فإنها ليست في مزاج يسمح لها بالانحراف عن النص. لقد "تفاعلت بشكل إيجابي" مع خطاب بايدن، لكنني أفهم من مصادر فلسطينية أنها تعتبر نص العرض الإسرائيلي غير مقبول.
وأخبرني أحدهم: "حماس تتحدى الآن بايدن أن يشمل نص المقترح ما ذكره في خطابه. إنهم يريدون ذلك ضمن تعهد كتابي. إنهم يريدون ضمانة بأنه بمجرد بدء تبادل الإفراج عن الرهائن والأسرى، فإن الحرب ستنتهي".
ومن الواضح تماماً أن هناك فجوات كبيرة بين وصف بايدن لاتفاق وقف إطلاق النار، واتفاق وقف إطلاق النار نفسه. انهما شيئان مختلفان.
ومن الواضح بنفس القدر الآن أنه كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، أصبح بايدن أكثر ضعفاً.
وبعيداً عن إنهاء عملية رفح، يستعد جيش الاحتلال الإسرائيلي لفتح جبهة ثانية في لبنان. وهذا هو أحد "الخطوط الحمراء" الأخرى لبايدن، والتي يشعر نتنياهو بجرأة متزايدة لتحديها.
نتنياهو يلعب على عامل الوقت. إنه يتفوق على بايدن في المناورة، على أمل ألا يكون بحاجة سوى لمواصلة الحرب حتى يأتي ترامب لإنقاذه. وكلما طال أمد هذه اللعبة، أصبح بايدن أكثر ضعفاً.
سوء تقدير كبير
وسوف يكون هذا الضعف واضحاً أمام كل الأمريكيين عندما يلقي نتنياهو خطابه أمام الكونغرس، متظاهراً بأنه بطل العالم اليهودي المسيحي. لن يكون هذا الخطاب بلاغياً.
سيكون حدثاً سيلقي بظلاله المظلمة الطويلة على الولايات المتحدة كقوة عالمية. وسوف يلاحقها العار لفترة طويلة قادمة.
إن الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، وهي الحكومة التي تقف في قفص الاتهام بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، سوف تؤكد من جديد قبضتها على النخبة السياسية في الولايات المتحدة.
ولكن في الأساس، ترتكب إسرائيل خطأً فادحاً في الحسابات، وهو الخطأ الذي ارتكبته دائماً.
لقد فضلت دائماً التعامل مع القادة العرب بدلاً من معالجة المشكلة الحقيقية، وهي الشعب الفلسطيني نفسه. لكن صراعها ليس مع حماس، ولا مع فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بل مع الشعب الفلسطيني نفسه.
وبعد كل معركة، يبدو أن إسرائيل تعتقد أن الفلسطينيين سوف يستسلمون، ومع ذلك فإن كل حرب تخلق قيادة أكثر تصميماً. إن كل عائلة قُتل أفرادها على يد القوات الإسرائيلية هي مجموعة كبيرة من الإخوة والأبناء والأحفاد الذين بقوا على قيد الحياة، والذين ستكون مهمتهم الوحيدة في الحياة هي الانتقام.
فلسطين ليست الأندلس التي شهدناها في القرن الرابع عشر على أطراف العالم الإسلامي. فهي تقع في قلب العالم العربي والإسلامي. إن فكرة أن الصراع الفلسطيني سيختفي دون تسوية مشرّفة وعودة عادلة للاجئين إلى أراضيهم، إلى جانب الحقوق السياسية الكاملة، هي مجرد أرض الأحلام الصهيونية.
إن أكبر وهم في النظرية القائلة بأن الأمة يمكن أن تعيش في حالة حرب دائمة ليس هو وهم بايدن، بل وهم إسرائيل، وقد كتب هذا الوهم نهاية أكثر من مشروع استعماري استيطاني. ومن المؤكد أن هذا سيكون كافياً للإيذان بنهاية دولة الفصل العنصري في المستقبل القريب.